
ليلة الذهب في باريس… ديمبيلي يتربع على عرش العالم وبونماتي تواصل حكمها للملاعب

بقلم السيد الأعرج
لم تكن العاصمة الفرنسية مجرد مدينة تستضيف حدثًا رياضيًا، بل تحولت مساء الإثنين إلى قلب الكرة الأرضية النابض، حيث اجتمع نجوم اللعبة وأسطيرها في النسخة التاسعة والستين من حفل الكرة الذهبية. الأنظار كلها اتجهت صوب مسرح "شاتليه" الشهير، الذي ارتدى حلته الذهبية لاستقبال نخبة العالم الكروي، من لاعبين ومدربين وصناع قرار، إلى شخصيات فنية وسياسية بارزة.
منذ بداية الأمسية، كان واضحًا أن الحدث مختلف هذه المرة. التنظيم المبهر، الأجواء الممزوجة بين الفن والكرة، والإثارة التي سبقت إعلان النتائج جعلت باريس تعيش ليلة استثنائية لا تُنسى.
ديمبيلي… من مقاعد الإصابات إلى قمة العالم
قصة تتويج عثمان ديمبيلي بالكرة الذهبية 2025 لم تكن مجرد إنجاز فردي، بل حكاية كفاح ملهمة. منذ انضمامه لبرشلونة عام 2017 في صفقة ضخمة قُدّرت بـ145 مليون يورو، اعتقد كثيرون أنه الوريث الشرعي لنيمار. لكن الإصابات المتلاحقة أجهضت بدايته، وحولته إلى مادة دسمة لانتقادات الجماهير والصحافة.
القدر كتب له فرصة جديدة في صيف 2023، عندما عاد إلى فرنسا عبر بوابة باريس سان جيرمان. ومع المدرب الإسباني لويس إنريكي، أعاد اكتشاف نفسه كلاعب متكامل.
خاض 48 مباراة رسمية في موسم واحد.
سجل 22 هدفًا وصنع 18 تمريرة حاسمة.
حسم نصف نهائي دوري الأبطال أمام مانشستر سيتي بهدف وصناعة.
ساهم في التتويج بالدوري الفرنسي، كأس فرنسا، ودوري أبطال أوروبا.
هذه الأرقام وضعت اسمه على رأس القائمة، متفوقًا على الموهبة الإسبانية لامين يامال (17 عامًا) الذي خطف الأضواء مع برشلونة، وعلى البرازيلي فينيسيوس جونيور، والمصري محمد صلاح الذي جاء رابعًا بعد موسم رائع مع ليفربول.
بهذا الإنجاز، أصبح ديمبيلي سادس لاعب فرنسي يتوج بالكرة الذهبية، ليضيف اسمه إلى قائمة تضم ريمون كوبا، ميشيل بلاتيني، جان بيير بابان، زين الدين زيدان، كريم بنزيما، وكيليان مبابي. الذهب عاد فرنسيًا، والعالم احتفل معه.
ردود الأفعال… فرنسا تحتفل والعالم يندهش
لم يتأخر صدى التتويج. كيليان مبابي، الفائز بالجائزة عام 2023، كان أول المهنئين قائلاً: "فوز ديمبيلي هو فوز لكل الفرنسيين، إنه تتويج لمسيرة لا مثيل لها من الإصرار."
الصحافة الفرنسية اعتبرت أن الفوز "انتصار على الإصابات وعلى الشكوك"، فيما وصفت "ماركا" الإسبانية التتويج بأنه "طعنة لبرشلونة الذي فرط في نجم أصبح ذهبياً في باريس". أما الإعلام الإنجليزي فركز على المقارنة بين ديمبيلي ويامال، معتبرًا أن المستقبل لإسبانيا لكن الحاضر ملك لفرنسا.
بونماتي… ملكة الملاعب للمرة الثالثة
الكرة الذهبية للسيدات خطفتها من جديد الإسبانية أيتانا بونماتي، لتؤكد أنها الرقم الأصعب في كرة القدم النسائية. اللاعبة المبدعة قادت برشلونة للتتويج بالدوري المحلي ودوري أبطال أوروبا، وسجلت 15 هدفًا وصنعت 20 تمريرة حاسمة.
بتتويجها الثالث على التوالي، أصبحت بونماتي ثالث لاعبة في التاريخ تفوز بالجائزة ثلاث مرات، لتكرس نفسها أيقونة نسائية عالمية تتربع على العرش بلا منازع.
جائزة ياشين… دوناروما وهامبتون في القمة
لم يكن الحفل حكرًا على النجوم المهاجمين. الإيطالي جيانلويجي دوناروما، حارس باريس سان جيرمان، توج بجائزة ياشين لأفضل حارس رجال بعد تصديات مؤثرة في دوري الأبطال.
أما عند السيدات، فقد صنعت الإنجليزية هانا هامبتون التاريخ بحصدها الجائزة لتصبح أول إنجليزية تنالها بعد موسم مذهل مع أستون فيلا والمنتخب الوطني.
جائزة كوبا… يامال يرسم المستقبل
المستقبل كان حاضرًا بقوة عبر جائزة كوبا، التي ذهبت للإسباني لامين يامال، صاحب الـ17 عامًا، الذي خطف الأنظار بأرقامه اللافتة (14 هدفًا و10 تمريرات حاسمة). النسخة النسائية من الجائزة ذهبت إلى فيكي لوبيز، مشروع النجمة القادمة بقوة.
جائزة مولر… غزارة تهديفية تحسم السباق
السويدي فيكتور جيوكيريس مهاجم سبورتينغ لشبونة، انتزع جائزة مولر لأفضل هداف رجال بعد تسجيله أكثر من 40 هدفًا. أما البولندية إيوا بايور، لاعبة فولفسبورغ، فقد فازت بنسخة السيدات بفضل 32 هدفًا مذهلة.
جائزة سقراط… حين يتجاوز الذهب حدود الكرة
جائزة سقراط كرست المعنى الإنساني لكرة القدم. هذا العام، ذهبت إلى مؤسسة "Xana" التابعة للمدرب لويس إنريكي، والتي تحمل اسم ابنته الراحلة، اعترافًا بجهودها في دعم الأطفال وعائلاتهم ضد أمراض السرطان. لحظة إنسانية أضافت بُعدًا مؤثرًا للحفل.
الفرق والمدربون… تتويج جماعي لا يُنسى
باريس سان جيرمان توج بجائزة أفضل فريق رجال بعد ثلاثية تاريخية محلية وأوروبية.
أرسنال للسيدات حصد جائزة أفضل فريق نسائي بفضل سيطرته في إنجلترا وتألقه قارياً.
لويس إنريكي نال جائزة يوهان كرويف لأفضل مدرب رجال، بينما ذهبت جائزة السيدات للهولندية سارينا ويجمان بعد قيادتها منتخب إنجلترا لموسم استثنائي.
لحظات لا تُنسى في الحفل
الموسيقى حضرت بقوة عبر DJ Snake الذي أضفى لمسة عالمية على الأمسية. كما وقف الجميع احترامًا عند تكريم ذكرى الأخوين جوتا، في لحظة إنسانية تجاوزت حدود المستطيل الأخضر.
فرنسا والكرة الذهبية… تاريخ ممتد من المجد
بتتويج ديمبيلي، ارتفع رصيد فرنسا إلى سبع كرات ذهبية عبر التاريخ: من ريمون كوبا 1958، مرورًا بثلاثية بلاتيني في الثمانينات، إلى زيدان وبابان، ثم بنزيما ومبابي وأخيرًا ديمبيلي. تاريخ طويل يؤكد أن فرنسا لا تتوقف عن إنجاب الأساطير.
خاتمة: الذهب يبتسم من جديد
الكرة الذهبية 2025 لم تكن مجرد جائزة فردية، بل لوحة متكاملة جسدت الإصرار والروح الإنسانية والإبداع الفني. ديمبيلي كتب ملحمة جديدة باسم فرنسا، وبونماتي أثبتت أنها سيدة اللعبة بلا منازع، فيما وزعت الجوائز الأخرى إشارات بأن المستقبل واعد.
باريس أضاءت سماء العالم بليلة ذهبية خالدة… عنوانها الأبرز: فرنسا تعود إلى القمة بفضل ديمبيلي، والذهب يلمع من جديد في سماء الديوك.