
نهلة رمضان..من بطلة عالمية إلى مريضة منسية.. تُصارع الموت وسط تجاهل الجميع !

في الوقت الذى تعلو فيه أصوات الجماهير فرحًا بالأبطال على منصات التتويج، هناك وجوه أخرى تختفي في ظلال النسيان، بعد أن أعطت كل ما لديها من جهد وعرق لوطنها. نهلة رمضان، البطلة
المصرية في رفع الأثقال، واحدة من هؤلاء الذين خذلهم الواقع رغم إنجازاتهم العالمية. فبعد مسيرة رياضية حافلة بالذهب، تواجه اليوم معركة أشد قسوة، لكنها ليست على بساط المنافسة، بل على فراش المرض وسط تجاهل غير مسبوق ونكران لما قدمته للرياضة المصرية.
موهبة استثنائية ومسيرة ذهبية
وُلدت نهلة رمضان عام 1987 في الإسكندرية، حيث نشأت في بيئة رياضية، فكان والدها مدربًا لمنتخب رفع الأثقال للسيدات. منذ طفولتها، ظهرت موهبتها الفريدة في رفع الأثقال، لتبدأ مسيرتها الاحترافية في سن مبكرة جدًا، وسط دعم عائلي وإصرار شخصي على تحقيق المجد.
في عام 1999، وعمرها لم يتجاوز 12 عامًا، شاركت في بطولة العالم للناشئين في اليونان، واحتلت المركز الخامس، وهو إنجاز نادر لطفلة بهذا العمر. لكنها لم تتوقف عند هذا الحد، بل واصلت حصد البطولات حتى أصبحت اسمًا لامعًا في رفع الأثقال عالميًا.
جاءت النقلة الحقيقية في مسيرتها عام 2002، عندما شاركت في بطولة العالم للناشئين في التشيك، وحققت ميداليتين فضيتين وبرونزية، لتؤكد أنها مشروع بطلة عالمية.
وفي بطولة العالم للكبار في كندا عام 2003، كانت المفاجأة الكبرى، حين تمكنت من حصد ثلاث ميداليات ذهبية وهي لم تتجاوز 16 عامًا، لتصبح أول مصرية تحقق هذا الإنجاز منذ أكثر من خمسين عامًا.
شاركت نهلة في ثلاث دورات أولمبية:
أثينا 2004: كانت أصغر لاعبة في فريق رفع الأثقال، لكنها لم تحقق ميدالية بسبب قلة الخبرة.
بكين 2008: تعرضت لإصابة مؤثرة حالت دون تحقيقها لميدالية.
لندن 2012: رغم إصابتها، احتلت المركز الخامس عالميًا، وهو إنجاز كبير بالنظر إلى ظروفها الصحية الصعبة.
حققت خلال مسيرتها العديد من البطولات القارية والعالمية، وكانت دائمًا رقمًا صعبًا في المنافسات، لكن قصتها لم تكتمل كما كانت تحلم.
انهيار صحي ومعاناة مستمرة
بعد اعتزالها، بدأت رحلة قاسية مع المرض، إذ شُخِّصت نهلة رمضان بحمى البحر المتوسط، وهو مرض نادر يتسبب في نوبات حادة من الالتهابات والألم المزمن. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أصيبت لاحقًا بمرض الذئبة الحمراء، وهو مرض مناعي خطير يهاجم أنسجة الجسم، مما أدى إلى تيبّس في المفاصل وضمور في العضلات، حتى فقدت القدرة على الحركة تدريجيًا.
في السنوات الأخيرة، تدهورت حالتها بشكل مأساوي، حيث أصبحت مُقعدة وتعاني من نزيف متكرر، آخره كان نزيفًا حادًا من الفم نُقلت على إثره إلى مستشفى مصطفى كامل العسكري بالإسكندرية، حيث ترقد في ظروف صحية صعبة، بينما يلف الغموض مستقبلها العلاجي.
ورغم هذه المحنة، لم تجد البطلة التي رفعت علم مصر عاليًا أي دعم حقيقي من الجهات الرياضية، بل أصبحت طي النسيان، شأنها شأن العديد من الرياضيين المصريين الذين صنعوا المجد للوطن ثم تُركوا لمواجهة مصيرهم وحدهم.
نهلة رمضان ليست حالة فردية
نهلة رمضان ليست حالة فردية، بل هي نموذج لما يعانيه الرياضيون بعد انتهاء مسيرتهم. فبمجرد ابتعادهم عن المنافسات، يُتركون لمصيرهم دون أي تأمين صحي أو دعم مادي، رغم أنهم أفنوا حياتهم في خدمة الرياضة المصرية.
إن قصة نهلة رمضان، التي تحولت من بطلة عالمية إلى مريضة منسية، يجب أن تكون ناقوس خطر حول ضرورة وضع نظام تأمين شامل للأبطال الرياضيين، يضمن لهم حياة كريمة بعد الاعتزال، بدلًا من تركهم يواجهون الموت في صمت.
البطلة تناشد الجميع
اليوم، لا تطلب نهلة رمضان سوى حقها في العلاج، والالتفات إلى حالتها الصحية قبل فوات الأوان. رسالتها ليست فقط من أجلها، بل لكل رياضي مصري ضحّى من أجل الوطن، ليجد نفسه في النهاية مُلقى على الهامش.
فهل تتحرك الجهات المعنية لإنقاذ نهلة رمضان قبل أن تصبح قصتها مجرد ذكرى حزينة أخرى في سجل الإهمال الرياضي؟